الجمعة، 24 أغسطس 2012

ليلة الحرب الجوية .. مذكرات شاهد على الغزو العراقي (4) .

 كان يوم 29-11-1990 حاسما فى مسيرة تحرير الكويت من الغزو العراقي الغادر , انه اليوم الذى قرر العالم الموافقة على استخدام كل الوسائل الممكنة لتحرير الكويت بما فيها القوة العسكرية وذلك بعد صدور القرار 678 من الامم المتحدة وفقا للفصل السابع وهو قرار تاريخي بما تعنيه الكلمة حيث تضمن القرار الفقرات التالية
1.     يطالب أن يمتثل العراق امتثالاً تاماً للقرار 660 (1990) وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة ويقرر في الوقت الذي يتمسك بقراراته أن يمنح العراق فرصة أخيرة كلفتة تنم عن حسن النية للقيام بذلك.
2.     يأذن للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت ما لم ينفذ العراق في 15 كانون الثاني 1991، أو قبله القرارات السالفة الذكر، تنفيذاً كاملاً كما هو منصوص عليه في الفقرة أعلاه وتنفيذ القرار 660 (1990)، جميع القرارات اللاحقة ذات الصلة وإعادة السلم والأمن الدوليين في المنطقة.
3.     يطلب من جميع الدول أن تقدم الدعم المناسب للإجراءات التي تتخذ عملاً بالفقرة 2 من هذا القرار.
لقد كان هذا القرار المنتظر بفضل الله تعالى نقلة نوعية فى هدم الغزو وحصر مدته وارغام العراق على الامتثال للعدالة والقانون الدولى ومنح  لاهل الكويت الصامدين والمغادرين دفعة عظيمة من الامل والتفاؤل فى قرب الانتصار المدوى على الباطل العراقي وهذا ما تحقق ..
ظللنا ننتظر اليوم الموعود وهو 15 يناير 1991 على احر من الجمر كنا نعد الايام عدا ونحصي الساعات وكاننا ننتظر العيد وكان مما يزيدنا املا مشاهدتنا للخوف البين فى نفوس الجنود العراقيين ومعنوياتهم الهابطة وخوفهم من الحرب مقابل التفاؤل الفائض في عيون الكويتيين الصامدين ومرت علينا تلكم الايام الباردة حتى جاء الوعد وانتهت المدة المقررة فقلنا تعالى ايتها الحرية واقبلي ..
الخميس 17-1-1991بعد انتهاء المهلة الدولية للعراق بيومين كنا مجتمعين في مركز شباب الشامية الذي سبق ان ذكرت لكم انه تحول الى سوق مركزي بديل عن الجمعية التعاونية ومركز اجتماعي فعال لابناء الشامية اثناء الغزو العراقي الغاشم يلتقون فيه يوميا للمؤازرة والتباحث في احداث الغزو المتوالية...
وفي الساعة 4  مساء جاءنا الصديق ناصر المطني من السرة فاخبرنا ان العراقيين قرروا حظر التجول فورا بدلا من منعه بعد المغرب فقط تحسبا لانتهاء المدة الدولية الممنوحة لهم للانسحاب من الكويت فحبسنا مضطرين في الشامية وعجزنا عن العودة الى منازلنا واستضافنا ليلتها الصديق محمد مبارك في منزل احد اقربائه في قطعة 3 وبتنا تلك الليلة ومجموعة من الاصدقاء منهم الاخ جاسم الحمود وابراهيم السبيعي واخرين نترقب ساعة الصفر الموعودة ولم يكن لدينا الا راديوصغير هو واسطتنا الى العالم.. طال بنا الليل دون حدث يذكر فنمنا بعد منتصفه ولم نكد نغفو حتى استيقظنا مرعوبين على اصوات مدافع العراقيين المضادة للطائرات - وكانوا قد وضعوا احد المدافع على برج مدرسة اسماء المتوسطة للبنات - وامواج هدير الطائرات تزلزل الكويت معلنة بدء حرب التحرير الغالية... تدافعنا الى سطح المنزل وكانت الساعة بعد الثانية ليلا فاذا السماء مخضرة من انوار الطلقات النارية ولا نكاد نسمع بعضنا من اصوات المعركة يغالبنا شعور الفرح والخوف من هذه التجربة العنيفة التي لا نتمناها لاي انسان وكانت اصوات المدافع كانها تغريد الطيور على قلوبنا وهدير الطائرات كاجمل الاصوات وسهرنا ليلتنا هذه الى ما بعد الفجر فلما توقفت الطائرات عن التحليق هرعنا الى الشارع الرئيسي الفاصل بين قطعتى 3 و 7 ش (عبدالله المجرن) فلم نجد العراقيين يتجولون
كعادتهم بجانب دوار الشامية ولم نرهم كذلك على الشارع الرئيسي بين الشامية والشويخ فصرخنا نحتفل ظنا منا ان الكويت قد تحررت وان الحرب فقط هذة الساعات الوجيزة ,  وصوّرنا حينها بكاميرا فيديوالصديق خالد مبارك الحميدى من شرفة منزلهم , ثم بعد مرور الوقت استوعبنا غموض الموقف وخلو الشارع من الكويتيين والصمت القاتل في المنطقة عدنا ادراجنا قلقين  , ونلتقط الاخبار من الراديو وننتظر موعد صلاة الجمعة ..
لما التقينا اهل الشامية بعد صلاة الجمعة في مسجد ق 7 ( عثمان بن مظعون ) وكان الخطيب الشيخ عدنان عبدالقادر  – جزاه الله الف خير -  وبعد الخطبة اخبرنا الصديق خالد الحمدان ( المحامى ) وكان لديهم جهاز ستلايت في منزلهم يتابعون عبره القنوات العالمية ان قوات التحالف أعلنت ان الحرب الجوية ستستمر اسابيع وربما شهورا حتى تتحرر الكويت فاصابنا انقباض وخوف من انتقام العراقيين من الصامدين داخل البلد او بتقاعس العالم عن مواصلة حرب التحرير لكن املنا بالله سبحانه كان اعظم واكبر.. ظلينا فى منزل الصديق محمد مبارك اسبوع تقريبا لا نبارحه الا قليلا ثم بعد ذلك قررت العودة لمنزل الاهل فى منطقة الدعية وفعلا عدت هناك والتقيت اهلى بعد ان انقطعت الاتصالات بهم من بداية الحرب الجوية , لكنى عدت مرة اخرى الى الشامية بعدها بايام ..
استمرت الحرب بعد ذلك وكانت الظروف صعبة فالكهرباء تنقطع احيانا والاتصالات شبه معدومة والتجول بالسيارات ممنوع بالمرة فاستخدم الرجال الدراجات ( القوارى ) عند الضرورة والمياه شحيحة فى بعض المناطق وزادنا من الاكل يتقلص رويدا رويدا  والخوف من قيام الجيش العراقي باستخدام اسلحة كيميائية داخل الديرة هاجسنا جميعا والناس تجمعت فى السراديب واغلقت النوافذ ووضعت عليها الملصقات وجمعنا الفحم والاكياس كوقاية بدائية ضد السلاح الكيماوي .. وللحديث عن تلك الايام بقية
توالت الاخبار المشجعة واقترب النصر الكبير حتى منّ الله سبحانه بأعظم نعمة على اهل الكويت نعمة التحرير نعمة جليلة  تحتاج الى الذكر والشكر فبهما تدوم النعم وبالجحود تزول النعم  وهي واجبة علينا جميعا حكاما ومحكومين وهذا لن يكون بالشقاق والاختلاف وانما يكون بالاتفاق  والوئام ... والله الموفق.

الخميس، 16 أغسطس 2012

قائمقام الكاظمية .. من مذكرات شاهد على الغزو العراقي (3) .





نوفمبر 1990بعد مضي ثلاث شهور تقريبا من الغزو العراقي الغادر ,  الاخ العزيز محمد سليمان العثمان من سكان منطقة الشامية وهو احد اصدقاء ثانوية كيفان قبل الغزو تعمقت الصداقة معه ايام الغزو  لما عملنا جنبا الى جنب مع اللجنة الشعبية في مركز الشامية والتي قامت بأعمال جليلة  بمعاونة الصامدين فى ادارة الاعمال المدنية انذاك
كان اهل محمد خارج الكويت وقت الغزو وهو ساكن عند جدته فى النزهة يتنقل بين منزلها وبين منزلهم فى الشامية اتصل بي محمد  وقال: أدركني يا وليد فقلت  خيرا يا محمد أمرني قال: كنت عائدا من النزهة الى الشامية  فوجدت جنديين يسرقان منزلنا فأغلقت الباب عليهما ثم أتيت بضابط المخابرات العراقي - وكانوا يحتلون نقابة الطيارين في الشامية بجوار منزل محمد - فقبض عليهما الضابط العراقي متلبسين بالجرم المشهود قلت: الحمد لله ثم ماذا؟! قال طلب مني الضابط ان اذهب إلى مخفر الصالحية لاسجل قضية واحضر معي شاهدا ؟ قلت له شاهد من أين تأتي بالشاهد والضابط أمسك بهما بنفسه بالجرم المشهود ؟! قال هكذا طلب مني وهددنى ان يحولنى للمخفراذا لم انفذ تعليماته ! قلت له لا عليك انا معك شاهد فوقت الغزو كلنا شهود على جرائم العراقيين المعتديين صغيرهم وكبيرهم فمتى الموعد الذى تريد الذهاب به الى المخفر  قال لقد حدد لى موعدا الليلة الساعة السادسة مساء. ذهبنا الى مخفر الصالحية ( موقعه القديم بجانب مجمع الصالحية ) متأخرين  دقائق عن الموعد ولما دخلنا على الضابط العراقي بادرنا بالسباب لتأخيرناِ لم نرد فلا توجد خيارات قال ستذهبون الآن الى المحكمة ! محكمة أي محكمة قلنا له لقد جئنا نسجل قضية ونمشي  قال لا يابا هو على كيفكم سجلنا القضية والحين تروحون في الكاظمية عند القائمقام !! أي كاظمية وأي قائمقام عرفنا الاولى لنعرف الثانية 'كانت الكاظمية مدينة الكويت (سوق الديرة) والقائمقام هو قاضي عراقي في محكمتهم .. قال ستذهبون الان مع المساجين ومع الضابط ..
انتظرنا في الممر مقابل الزنزانة التي حشرت بالمساجين مثل السمك في سر الحظرة - واذا كانت الزنزانة تكفي ل10 او 15 سجين لقد حشرت باكثر من ذلك حتى انهم كانوا وقوفا من كثرتهم - حتى حان موعد الذهاب إلى المحكمة انطلقنا بسيارتنا خلف سيارة الضابط 'المسروقة' طبعا من احد الكويتيين و حوالى السابعة مساءا وصلنا مخفر المدينة  الذي تحول الى موقع للقائم مقام العراقي  كان هناك مجموعة من المقبوض عليهم  عراقيين وغيرهم ومن ضمنهم الجنديان السارقان كانا مرعوبين جدا لما رأيا محمد تعرفا عليه فاقبلا عليه يقبلانه من رأسه الى أخمص قدميه حتى  ( قبلا حذاءه ) يرجوانه ان يتنازل عن القضية لانهما موقنان بالعقوبة الصارمة التى قد تصل للاعدام و نظر الي محمد وهو يفكر ان يغير كلامه قلت له اياك ان تغير كلامك أو تتنازل فقد تنقلب القضية عليك  قل الحقيقة التى حصلت امامك وهنا جاء الضابط العراقي المرافق وقال لمحمد اياك ان تغير اقوالك عند القاضي والا ستنقلب القضية ضدك  ثم نظر هذا الضابط الى الجنديين المرعوبين واشار بيده الى رقبته يهزها هزا ويضحك بكل لؤم في اشارة خبيثة الى الاعدام وكانه هو من جنس اخر غيرهم  لم يتمالك الجنديان نفسيهما كاد يغمى عليهما وهما يبكيان , انتظرنا الى ان جاء دورنا عند القائمقام العراقي فدخل محمد عليه لوحده لوقت وجيز جدا لم يدم  نصف دقيقة وخرج في الحال قلت له خيرا ان شاء الله؟ قال لا ادري لم يكلمني او يسألني رآني ثم وقع على الاوراق! قلت له ألم يحقق معك؟ قال: لا ابدا! سألنا الضابط  فقال 'خلاص حكم بالإعدام على السارقين !
 خرج القائمقام العراقي فتجرأ محمد وسلم عليه يريد ان يكلمه في القضية فما ان بادره بالحديث انتفض القاضي و نظر نظرة ارعبت المرافقين ممن حوله ثم عاد مسرعا الى مكتبه واستدعى الضابط  لقد رأيناه من الباب الزجاجي يكيل له الشتائم والضابط يتلقاها بخضوع ثم خرج الضابط فقال كيف تكلمونه امام الناس قال محمد نريد نشوف قضيتنا قال لقد حكم خلاص قال لم يسالنى ولم يحقق معى قال له الملف فيه كل شى ولا تعيدونها ..
 خرجنا من مخفر المدينة الساعة التاسعة ليلا وعدنا الى مخفر الصالحية الى الضابط الاول وسلمه المرافق ملف الاحكام ومن ضمنه قضية السرقة فلما قرأه   واذا هو حكمبالاعدام قال لمحمد العثمان  'يالله جهز حالك انت وأهلك الاعدام الليلة عند بيتكم الساعة 12 منتصف الليل'، فاكتملت فصول الرعب قال محمد أي اعدام يا معود اعدمهم عندك وإلا في أي مكان آخرليش تجيبهم بيتنا بهالليل ؟  قال 'يابا نريد لأهلك أن يشهدوا العدالة العراقية'( وكانهم يعرفون العدالة ؟؟ ) قال محمد وبعفوية: حضرة الضابط اهلى مسافرون ولا احد معى الا جدتي وهى  امرأة مسنة وعمتي متعبة  كيف تحضران الاعدام ليلا في هذه الظروف ؟
 هناك ضحك كثيرا الضباط العراقيون وكانوا ثلاثة وخاطبهم الضابط قائلا 'ولك شنهو تخافون يالكويتيين ؟ احنا اذا ما نذبح كل اسبوع 3 أو اربعة شلون نعيش ؟؟  لم نتكلم أو نعلق فهذا النوع من 'الغشمرة' لم نعتد عليه في الكويت المهم طلب الضابط من محمد 'مسجلة أو تلفزيونا' مقابل ان ينفذ الحكم بعيدا عن منزله وافق محمد حالا وخرجنا من هذه الليلة المأساوية التي لا يمكن نسيانها    طبعا لا ندري إن نفذ حكم الاعدام حقا  أو لم ينفذ  والحمد لله لم نشهد في محكمة الكاظمية البائدة على احد منهم  الا ان ايام الغزو حفلت بالكثير من الذكريات والاحداث ذات العبرلا يصدقها الا من عايش تلك الايام وشاهد بنفسه المغول كيف يسرقون ويهدمون ويأسرون ويقتلون الى ان جاء امر الله تعالى ونصر الكويت وشعبها في نعمة عظيمة لا تعادلها نعمة والحمدلله رب العالمين .

الخميس، 9 أغسطس 2012

أسير الشامية .. من مذكرات شاهد على الغزو العراقي (2) .



شقاوته في الطفولة بلغت منتهاها ( مواليد 1969 ) لم يكمل 14 سنة حتى اشتهر بين أقرانه في منطقة الشامية بقصصه العجيبة , لكن فى بداية مراهقته تحولت حياته الى جانب آخرمغاير تماما لسلوكه الاول لازم صلاح عبداللطيف الدوخي المسجد وهو في الخامسة عشرة من عمره ولم تمض 3 سنوات حتى ختم القرآن الكريم كاملا ثم التحق بوزارة الاوقاف مؤذنا نشاطه أيام الطفولة تحول الى طموح كبير واعتزاز بالنفس وألهمه آمالا عظيمة لم يكن كسائر الشباب من عمره بل كان من نوع فريد تعارفنا في المرحلة المتوسطة في مدرسة الشامية عام 1983 كنت انا فى الثالث متوسط وكان هو فى الصف الرابع واستمرت العلاقة الأخوية حتى الغزو العراقي اذ تشاركنا في العمل مع 'اللجنة الشعبية' التي اتخذت من مسجد شيخ الاسلام ابن تيمية في قطعة 8 مقرا لها برئاسة الشيخ عدنان عبدالقادر والاخ الكبير بدر المطنى المطيري وقام شبابها من ابناء منطقة الشامية باعمال مدنية رائعة جليلة تستحق لها وقفات مستقبلا بإذن الله تعالى       مثلما قام به المرابطون والصامدون في مناطق الكويت المختلفة                                                                               
لم تهدأ نفس صلاح من اول يوم للغزو ( كان يكبرني بسنتين وعمره 21 عاما ) ولم يستكن للمقاومة المدنية العادية اراد حمل السلاح والعمل العسكري على الرغم من قلة خبرته بذلك فسعى بنفسه للبحث عن مجموعات يلتحق بها، وكان يكرر علي اكثر من مرة 'كيف نترك العراقيين يعبثون بالبلد ولا نحرك ساكنا وكنت اقول له اترك هذا للعسكريين وشارك بالعمل المدني '.  كنا قضينا اول شهرين تقريبا من الغزو ننام فى مسجد الشامية وكان من عملنا لجنة اتصال تسهر للتواصل مع المواطنين الصامدين بتلقي الاتصالات ( بجهاز الهاتف النقال الضخم انطلق  ) قبل ان يضيق علينا العراقيون السبيل  في المساجد واضطررنا لترك الاقامة فيها بعد اشتداد ملاحقتهم للناس فيها
 وفي ليلة من ليالي شهر 8 وبالتحديد في الاسبوع الثالث للغزو العراقي كنا سهارى في المسجد في منتصف الليل حدثني صلاح عن المقاومة العسكرية  قلت له يا صلاح ليس هذا مجالنا ولا نقدر على هذه الامور قال: الامر بسيط هناك خلية جديدة في بيان يبحثون عن شباب لإلقاء القنابل اليدوية على مواكب العراقيين؟ ! فقلت له يا صلاح الامر ليس بهذه السهولة قال : صدقني في يوم واحد تتدرب عليها وتتمكن منها واصلنا النقاش ولم نصل الى نتيجة لم أملك جرأته وشجاعته ولم استطع اقناعه بان هذة الاعمال تحتاج لترتيب وتنظيم وليس العشوائية والاندفاع  فقد كان صعب المراس
في اليوم التالي مباشرة بتاريخ 22/8/1990 قام صلاح ومعه اثنان من شباب الشامية هما صلاح الخضر 17 عاما وطلال الفودري 15 عاما بوضع خطة تقتضي باستدراج الجنود العراقيين لتوصيلهم بسيارة صلاح ( بيوك بيج موديل 1987 )  ومن ثم قتلهم بالمسدسات التي كانوا يخبئونها بين ملابسهم في احد الشوارع المدعوسة , لم تفلح أول محاولة لهم حيث توقفوا بسياراتهم عند مجموعة من العراقيين عند محطة مواصلات وعرضوا توصيلهم لاى مكان يريدونه لتنفيذ خطتهم بقتل من يركب معهم .. اكتشف العراقيون الخطة بعد ملاحظتهم ارتباك الشباب فانقضوا عليهم وفتشوهم فوجدوا سلاحين من نوع فرد كولت احدهما في دشداشة صلاح الخضر وتم القبض عليهم في اليوم نفسه واقتيادهم الى منزل في كيفان او ربما مسرح كيفان حيث اتخذه العراقيون مقرا للقيادة والاستخبارات والتعذيب ..
اذكر انى كنت عائدا مع صديقي جاسم الحمود بعد صلاة الظهر ذلك اليوم فقابلنا 2 من الربع هما م .عماد الشطي ومحمد مبارك ( مدرب منتخب اليد لاحقا ) وكانا في شدة الاضطراب يسالانا هل رايتم صلاح الدوخي ؟ لم نكن نعلم بالحدث فقالا انه مفقود بعد الصلاة وان هناك من اخبرهم ان تصادم مع العراقيين ! لم نتعرف على حقيقة الحادثة سوى من الاقاويل المختلفة التى تلقيناها من هنا وهناك دون معرفة تفاصيل صحيحة بالحدث حتى صلينا العصر ونحن حائرون ..
 بعد العصر تم تطويق الشارع الفاصل بين قطعتي 3 و7 في الشامية ( شارع المجرن )  بالجيبات والسيارات العسكرية العراقية ونزلت قوة من الجنود العراقيين بالعشرات محملة بانواع الاسلحة والعتاد فلما سمعنا بالخبر انطلقنا من المسجد للشارع نفسه  ورأيت بنفسي الاسير صلاح رحمه الله - مكبلا وبملابسه الداخلية بدون دشداشة في جيب عراقي مقابل منزلهم في حين نزلت قوة من العراقيين عاثوا بمنزلهم وفتشوه بحثا عن أي اسلحة او اوراق ومستندات تدل على المقاومة ولم يجدوا شيئا , واخبرنى اخوان صلاح بعدها ان المنهول الرئيسي للمنزل في الحوش كان معبا عن اخره بالاسلحة لكن الله سلم ان لم يفتحه الغزاة العراقيون , وكان هذا اخر يوم شاهدنا فيها صلاح رحمه الله
سبق لصلاح الدوخي  ان افلت مرتين من العراقيين بأعجوبة وبشكل لا يصدق ويبدو ان هذه المرة الثالثة سينطبق عليه المثل 'الثالثة ثابتة'، بعدها تم نقلهم الى روضة اطفال في الخالدية ومنها الى جامعة الكويت مقر التعذيب العراقي , قال لى لاحقا طلال الفودري ( الوحيد الذى نجا منهم ) انه ظل طوال الليل يسمع صراخ صلاح وصلاح من الغرف المجاورة له من فرط التعذيب الذى لاقياه من مجرمى الجيش العراقي الغازي وفي اليوم الاول اطلق العراقيون سراح اصغرهم طلال الفودري واما الصلاحان الدوخي والخضر فانقطعت اخبارهما منذ ساعتها بالرغم من المحاولات الحثيثة التى بذلها اهلهم للوصول لهم ولكن دون جدوى
بعد 14 عاما وفي 8/1/2005 وبعد سقوط نظام المجرم صدام حسين تم الاعلان عن اكتشاف رفات مجاميع من الشهداء الكويتيين باذن الله من الاسرى وكان منهم صلاح الدوخي البطل الشهم الذى لم يقبل تدنيس العراقيين لبلاده الحبيبة الكويت اليوم مازلنا نستذكر الصديق العزيز صلاح الدوخي ورفيقه صلاح الخضر الذى حددت وفاته 1/8/2004ونسأل الله تعالى ان يرحمهما ويجعلهما من الشهداء  لم يكن فراق صلاح الدوخي سهلا على أهله واصدقائه فقدنا شابا مخلصا طموحا سباقا للخير له نفس ابية لا تقبل المذلة والظلم
الشهيد – باذن الله تعالى - صلاح الدوخي وزميله صلاح الخضر شابان من المئات والآلاف من الشباب الذين تفخر الكويت بهم وتستحق قصصهم ان تدرس وتروى للاجيال المتوالية ولا يضر صلاحا ان يجهله كثير من الناس فإنا نسأل الله تعالى ان يعزه في الدنيا والآخرة والله الموفق
الحمد لله على نعمة التحرير
ورحم الله شهداءنا الأبرار


الخميس، 2 أغسطس 2012

2 أغسطس 1990 مذكرات شاهد على غزو الكويت (1) .



اذكر يوم الاحد جيدا في الاسبوع الاخير قبل الغزو العراقي لقد عدت الى المنزل لاسمع لاول مرة من والدتى اطال الله في عمرها اخبارا غريبة عن توتر الاوضاع بين الكويت والعراق وان شقيقي صالح ابلغها ان دواوين الكويت تتحدث عن احتمال نشوب حرب بين الكويت والعراق وان تلفزيون وصحف العراق تشتم الكويت وحكامها في انقلاب عجيب على العلاقات بين الدولتين حيث كان المقبور الهالك صدام حسين قد كرم الشيخ جابر الاحمد رحمه قبل شهور قليله ومنحه اعلى وساما عراقيا لموقف الكويت ومساعداتها الكبيرة للعراق في حربه مع ايران , فماالذى تغير خلال فترة وجيزة لتهاجمنا العراق بهذا السوء والعنف ؟ للاسف لم تكن صحف الكويت وتلفزيونها يذكرون شيئا عن ذلك البتة سوى بعض الاخبار الرسمية المتعلقة بالحركة الدبلوماسية النشطة بين الكويت وبعض الدول العربية ..
بعدها بليلة او ليلتين اجتمعنا في ديوانية الصديق عبدالحميد الجاسم في النزهة وكنا مجموعة شباب في الثانوية والجامعة لم يتجاوز اكبرنا 20 عاما اذكر منهم صاحب الدوانية وانور الصالح ووائل بن على ومشعل الزايد و بدر السعيد واسامة الفريح واحمد الصالح وطارق الخضري واغلبهم من ابناء منطقة النزهة وكان جدالنا عظيماً بشأن جدية التهديدات العراقية للكويت في ظل ضبابية المعلومات بسبب التكتم الحكومي الشديد تلك الايام على ما يجري من مفاوضات بين الطرفين .. كان الفريق الاعظم منا يعتقد ان الموضوع سيتم حله بطريقة او اخرى ولكن بالتفاهم بين الكويت والعراق ولن يتجاوز منح مبالغ مالية للعراق واغلاق الملف ، واحد فقط من الحاضرين هو الصديق انور الصالح  ( شقيق اللاعب حمد الصالح ) كان متشائما لاقصى درجة ويقول انتم لا تعرفون صدام حسين وان الامر سيكون كارثيا  ...                                                                           
الاربعاء قبل خميس الغزو كانت الامور طبيعية عند الكويتيين ننتظر اخبار لقاء جدة بين الشيخ سعد ـــ رحمه الله ـــ والوفد العراقي، نمنا تلك الليلة ولم تتغير علينا الامور فغدا الخميس 2/8 سيكون موعدا لاختبارات نهاية الفصل الصيفي لطلبة ثانوية المقررات ، وخطط الاجازة الصيفية لم تكتمل بعد عند الكويتيين ، وبفضل التهوين الاعلامي الرسمي لم نكن نشعر بالخطورة الفادحة للاوضاع
يوم الخميس 2/8/1990 صليت انا الفجر في مسجد العتيقي بالشامية ( وكان منزلنا فى الدعية خلف السفارة الكندية ) وعادته ان يتأخر في اقامة الصلاة وبعدما انصرفت مررت على مسجد ابن تيمية في قطعة 8 مقابل مركز الشباب حيث نتجمع بعد الصلاة مع الشباب، لم ار الانوار مضاءة في المسجد فعدت الى منزلنا في الدعية وكانت الساعة بعد الرابعة صباحا، لم اشاهد ما يلفت الانظار او اسمع اصواتا غريبة، كانت الامور هادئة كما هي عليه في كل يوم ..
الساعة 6.30 صباحا ايقظتنا الوالدة الكريمة فزعة وهي تقول ان العراقيين دخلوا الكويت، لم نستطع ترجمة هذا المصطلح فهذة كلمة غريبة علينا كيف دخلوا الى الكويت؟ هل وصلوا الى العبدلي؟ هل احتلوا بوبيان؟ هل اقتحموا مركز الحدود؟ لا يمكن معرفة المعنى بعد، فلما شاهدنا التلفاز وكان يذيع الاغاني الوطنية والراديو يناشد العرب والمسلمين، ووصلتنا الاتصالات من هنا وهناك عرفنا ان جيشا عربيا مسلما هو جيش العراق استباح الكويت كما فعل التتار بالمسلمين ..
بعد فترة وجيزة انطلقت بسيارتى لاشاهد ما يجري كانت الشوارع فوضوية لاتصدق بين المنصورية والقادسية الناس فاقدة لوعيها الاباء بملابس النوم والاطفال مكدسون داخل السيارات وتشاهد الامهات يبكون وعيونهم تتطاير من الفزع مررت فى هذا اليوم على منطقة الشعب وقد استنكرت اصطفاف الوافدين خاصة الفلسطينيين امام موزع الغاز وشركة المطاحن وانا اقول ما يفعل هؤلاء بالغاز والخبز والديرة فى حرب كما شاهدت نفس الزحمة امام مكائن السحب الالى ومحطات البنزين ..
اسرعت لمنطقة كيفان ودخلت منها للشامية وكانت ساكنة وكانها مهجورة زرت بعض الربع اسالهم ماذا يجري منهم م صلاح الفاضل والصديق ابراهيم البديوي الذى جلسنا فى منزله نهار ذلك اليوم حتى صلاة العصر حيث سمعنا اشتباكات ورمي الرصاص والاسلحة فى مواجهات جرت فى وزارة الداخلية والتى مقرها انذاك مقابل جمعية الشامية ثم عدت لاحقا للمنزل لاجد الاهل جميعا فى حالة من الصدمة واللاوعى والذهول ... قد تسرق سيارتك وقد يسرق منزلك وقد يسرق محلك ..لكن يسرق وطنك وانت شاهد عليه هذة والله الكارثة التى لا يصدقها انسان ..

سبعة شهور من الفوضى والرعب والسرقات والاعتداءات والاسر والقتل والاضطهاد حتى انعم الله علينا بنعمة التحرير وسلامة الوطن الغالي واهله من اعتداء العراق القبيح والغادر على الكويت، لم يسجل التاريخ كاملا ولم تكتب الاحداث جيدا بعد لكن في تلك المحنة الكبيرة العبر والفوائد التي ينبغي على النظام والشعب استيعابها والنظرفي مصلحة ومستقبل الوطن واهله ورعايته بالشكل المستحق وقمع كل اشكال الفساد والتخريب والاعتداء على القانون والتفرقة بين المواطنين والاساءة للوطن والمجتمع والدولة , فرعاية الكويت مسؤولية مشتركة بيننا جميعا حكاما ومحكومين فهل نفعل ما هو واجب علينا لمستقبل وطننا وابنائنا

الحمدلله على نعمة التحرير ورحم الله شهداء الكويت الابرار